حصريا

خطاب بومبيو والمواطنة. الدكتورة: زينب عبد العزيز

0 395

خطاب بومبيو والمواطنة. الدكتورة: زينب عبد العزيز

في العاشر من هذا الشهر، يناير 2019،القى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، خطابا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة بدأه قائلا: “ان هذه السفرية تأتي في خضم احتفالات الكنيسة القبطية بعيد الميلاد ولها دلالة خاصة بالنسبة لي كمسيحي إنجيلي، فكلنا أبناء أبراهام..ثم استطرد موضحا أنه يحتفظ على مكتبه بالكتاب المقدس مفتوحا”.. وكونه يبدأ بتحديد أهمية المسيحية بهذا الشكل رغم العداء المعلن بين الكنيسة الكاثوليكية وباقي الكنائس؛ خاصةً الإنجيلية، فهذا لا يعني إلا أنه يقولها تدعيماً ومساندة للكنيسة القبطية التي تمثل أكبر أقلية مسيحية في مصر.

وبعد هذا التلميح الضمني للإشارة إلى الأخوّة بين أهل الكتاب المقدس، راح يشرح السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط. وقد اهتم بتحديد تلك السياسة على انها “قوة الخير في الشرق الأوسط”.

وفي الوقت الذي تتجه فيه بعض البلدان العربية على استحياء تجاه روسيا والصين، أشار بومبيو بوضوح الى مزايا اختيار العروض الأمريكية. ومن السخرية أن يضيف: “إلى الذين ينفزعون من الاستعانة بالقوى الأمريكية أذكركم بأن أمريكا ستكون دائما قوة تحرير وليس قوة احتلال”، متناسيا ما قامت به السياسة الأمريكية في حق الإسلام والمسلمين خاصة عندما أعلن جورج بوش الابن: “أنها ستكون حربا صليبية طويلة المدى” وذلك عقب تفجيرهم الأبراج الثلاثة، ذلك الحدث الإجرامي الذي قام به الساسة الأمريكيون تضامنا مع الكنيسة الكاثوليكية وقرارات مجمع الفاتيكان الثاني التي نصّت على ضرورة تنصير العالم، أي اقتلاع كافة الديانات الأخرى وأولها الإسلام.

ثم أضاف بومبيو بنفس الوضوح وبنفس الوعيد قائلا: “ان أمريكا لن تنسحب طالما الحرب على الإرهاب لم تنته”، متناسيا ان نفس أمريكا تلك هي التي صنعت وكوّنت ذلك الإرهاب وموّلته وأمدته بالسلاح والمعدات الجديدة التي بدت في الصور وكأنها خارجة للتو من مصانعها! ولم يفت السيد بومبيو الإشارة الى رغبة الولايات المتحدة في “طرد” إيران من سوريا عن طريق السلك الدبلوماسي. وأنه لكي يتوصل الى ذلك فقد اقترح إقامة تحالف استراتيجي بمساعدة البلدان العربية ضد طهران. فالمعروف أو الملاحظ في الأشهر الأخيرة أن واشنطن لم تُخف إرادتها في إقامة ما أطلق عليه “حلف أطلنطي عربي”، وأن هذا التحالف سيضم السعودية وعمان والكويت والبحرين والإمارات وقطر ومصر والأردن، ويمكن تسمية هذا التحالف “MESA” اختصارا لعبارة “Middle East Strategic Alliance” أي “التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط،المكون من ثمانية بلدان عربية تخضع طواعية للسياسة الأمريكية..

وفي الوقت الذي تتناحر فيه دول الخليج بسبب الخلاف بين السعودية وقطر فقد ركز مايك بومبيو على إقامة ذلك التحالف الإستراتيجي في الشرق الأوسط ضد إيران. ولم تفته الإشارة الى ذلك التقارب غير المسبوق بين بعض الدول العربية وإسرائيل ولا إلى وقاحة ذلك الكيان فيما يقوم به كمحتل لفلسطين ومواصلة محاولة القضاء على الفلسطينيين على مرأى ومسمع من الجميع! كما أكد ان ترامب يقترح على العرب “الانطلاقة الحقيقية الجديدة” كقوة للخير في الشرق الأوسط”..

ولم تخف الصحف الأجنبية المعلقة على هذا الخطاب أن هذا التحالف العسكري العربي الجديد سيسمح لأمريكا بتقليل نفقاتها في الشرق الأوسط، كما أشار بومبيو الى ان أمريكا ستستعين بالقوى الدبلوماسية “لطرد آخر إيراني من سوريا حتى بعد انسحاب القوات الأمريكية مؤكدا على ان الأولوية المعلنة هي مواجهة إيران بكل الوسائل على كافة الأراضي يعتمد أساسا على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. “وذلك يبدأ بالمساندة المطلقة لدولة إسرائيل لضرب إيران عسكريا في سوريا”. مؤكدا ان الدبلوماسية الأمريكية وعدت بأن واشنطن ستستمر في العمل على ان تحافظ إسرائيل على قدرتها العسكرية للدفاع عن نفسها ضد أي مغامرة عدوانية من جانب إيران. علما بأن فكرة هذا التحالف الإستراتيجي في الشرق الأوسط قد بدأت فكرته منذ زيارة ترامب للسعودية في مايو 2017 لعقد قمة ثلاثية مع حلفاؤه.

وإن كان الهدف الواضح لهذا الخطاب هو محاصرة الإرهاب في سوريا، فإن أولوية المشروع الواضحة هي وقف تأثير تصرفات إيران والحد من تأثير روسيا والصين. إلا ان الخلفية الاقتصادية لا تغيب أبدا عن مشاريع ترامب. فمثلما طلب من حلفائه الأوروبيين في حلف الأطلنطي فهو يطالب حلفاؤه الجدد في حلف “ميسا” الشرق أوسطي، موضحا أن أهم أهدافه هي “المساهمة في النفقات العسكرية الأمريكية لحماية المنطقة”.أي أن تقوم بعض البلدان الإسلامية بأموالها وجنودها بالحرب بدلا من أمريكا..ومما تم الاعلان عنه أن ذلك الحلف العربي سيتكون من أكثر من ثلاثمائة ألف جنديوخمسة آلاف دبابة وألف طائرة حربية تصل ميزانيتها الى أكثر من مائة مليار دولار. أما جريدة التايمز الإسرائيلية فقد علقت على هذا الخطاب بأنه قد “زايد في تقدير النظام الايراني وقلل بكثير من شأن وصلابة وعنف الإسلام الراديكالي”..

وباختصار، فإن خطاب مايك بومبيو قد أكد على أن “السياسة الأمريكية هي قوة الخير في الشرق الأوسط” ؛وعلى “طرد ايران من سوريا عن طريق الدبلوماسية” ؛ و”المساندة المطلقة لدولة إسرائيل لطرد إيران عسكريا من سوريا” ؛ والعمل على “أن تحافظ إسرائيل على قدرتها العسكرية في الدفاع عن نفسها” ؛ وإنشاء حلف “الميسا” العربي، الموازي لحلف الأطلنطي الغربي ليحارب بجنوده وأمواله بدلا من الجنود الأمريكان. أي أن نحارب الإرهاب الذي صنعته أمريكا، نيابة عنها، بعد أن خفضت ميزانيتها الحربية الي النصف لحماية أبنائها؛ و”المساهمة في النفقات العسكرية الأمريكية لحماية المنطقة”؛ وأن تقف ثمانية دول مسلمة جنبا الى جنب مع الصهاينة لمحاربة أي دولة أو دول مسلمة..

وبعد هذا الخطاب الاستعماري الاستعبادي، توجه بومبيو لزيارة الكاتدرائية الكبرى بكل فخر وتعال، فهو الإنجيلي المعادي لباقي الملل المسيحية، لكنه يعاونهم بكافة الوسائل على اقتلاع الإسلام. وعند خروجه منها قال عن مصر “انها دولة خاصة، وأنه رمز كبير للأمل بالنسبة للقاهرة، لمصر، وكل الشرق الأوسط“. ثم توجه من الكاتدرائية ليمر مرور الكرام على المسجد المجاور لها، والذي تم افتتاحه بلا مصلين تقريبا، مساء ذات يوم أحد، يطلقون عليه “عيد ميلاد ربنا يسوع” لافتتاح أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط.. ولا توجد عبارة مريرة مثقلة بالتوعد والوعيد أكثر من اعتبار تلك الكاتدرائية “رمز كبير للأمل بالنسبة للقاهرة، لمصر، وكل الشرق الأوسط”.. ولا جدال فيما يقومون بتنفيذه بشراسة، تنفيذا لقرارات مجمع الفاتيكان الثاني..

فحينما تصل التنازلات في أكبر دولة مسلمة في الشرق الأوسط الى السماح ببناء 5912 كنيسة بدون تصريح، ويتم تقنين 508 منها وجاري تقنين 5404 كنيسة (جريدة الأهرام 7/12/2018) ؛ وفرض تحويل القاهرة الى مزار سياحي لرحلة العائلة المقدسة، الثابت علميا وإنجيليا أنها لم تأت الى مصر؛ وحينما يقول أحد المفتين “أن بناء الكنائس إعمار للأرض وبيوت يذكر فيها اسم الله كثيرا” ويساوى بين الشرك بالله والتوحيد المطلق له ؛ وذلك لإرضاء أقلية يصل تعدادها الى حوالى 6 % من مائة مليونا، وفقا لآخر إحصائية فاتيكانية ؛ وأن يتلقّى البطاركة والأساقفة الأوامر من الفاتيكان الذي يتبعونه وليس من الدولة ؛ وأن يتم إقامة أول قداس في السعودية من أجل عمالة سيارة لا يحق لها التدخل في المساس بدين الدولة ؛ وكل هذه التنازلات هي مجرد شذرات معدودة ضمن زخم كثير، بزعم “تعزيز التسامح ونبذ العنف والتطرف والإرهاب وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة”، فهنا ندرك معني ومغزي تلك الجملة التي ألقي بها بومبيو وهو خارج من الكاتدرائية  واعتبارها “رمز كبير للأمل بالنسبة للقاهرة، لمصر، وكل الشرق الأوسط”بمعني أن القاهرة في طريقها الى التنصير ولو شكلا ! وهنا ندرك مغزى المساعي والجهود السياسية لتنصير “القاهرة، ومصر والشرق الأوسط” بفضل تلك الأقلية الخاضعة للسياسة الأمريكية الفاتيكانية.

والمعروف وفقا للتقارير الحربية ان أمريكا تصرف أكثر من ضعف ميزانيات أكبر سبع دول تالية لها وهي: الصين والسعودية وروسيا والمملكة المتحدة والهند وفرنسا واليابان.وهو ما يكشف عن الوجه الحقيقي لتلك الدولة الاستعمارية الكبرى. وفي تقرير أعده الخبير جيمس لوكاس يوضح فيه بالتفصيل كم قامت الولايات الأمريكية المتحدة عقب الحادي عشر من سبتمبر من حروب وانقلابات عسكرية وعمليات استخباراتية. ولم يدرج في هذا الإحصاء ما قامت به في كل من لبنان وسوريا واليمن وليبيا..

ليتنا نفيق ونتعظ،ليتنا ندرك خاصة أنها قامت بهذه الحروب ضد البلدان الإسلامية بعد أن أسند اليها مجلس الكنائس العالمي في يناير 2001 مهمة اقتلاع الإسلام، وقد أصبحت هي الدولة الكبرى المتسلطة في العالم بعد الإطاحة بالاتحاد السوفييتي تنفيذا لأحد قرارات مجمع الفاتيكان الثاني..وليتنا ندرك خاصة معني ان تكون الولايات المتحدة الأمريكية “قوة الخير في الشرق الأوسط”..

                                                                                       زينب عبد العزيز

                                                                                       25 يناير 2019

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.